يقول السيّد المحضار رحمه الله:ما شي كما الوحدة، وربك دوب للوحدة نصير
واللي بغى الفرقة وقع له من على السترة مرنْ
معاد نبغى التجزئة، فقنا.. صحا فينا الضمير
على خزى ذي ما معاهم في لقانا حسن ظنْ..ومن أقواله الخالدة في الوحدة:ياسين بسم الله سَمْ حيوا الثغور الباسمهْ
هلّ نوفـــــمبر وتم إلماّ هــب نود وبرود
مني تحية للعــــــلم وعلى الوطـن ومعالمه
من حيد صيره لا قسم من رأس شبوه لاعسير
وأيضا:احنا مع الوحدة بكل ارواحنا هي والقلوب
وإن عاد حد ماتاب قُلّ له إحمد المولى وتوب
إلى متى الفرقة؟ بانحمِّـل انفسنا الذنوب
كل من بغى الاسلام.. ما يبغى الزمان الجاهلي
وتحققت الوحدة لينبري شاعرنا من نظم زامل فيبشّر فرحا: من حضرموت الخير بالبشرْ جيت
ناشر على الوحدة شراعي
إللي بها فوق السماء إعتليت
وازداد بين الناس ارتفاعي
وفي القصيدة
التالية يخاطب شاعرنا الحبيب الأديب الراحل علي أحمد باكثير المبشر الاول
بالوحدة اليمنية منذ عقود من الزمن، والفنان الراحل محمد جمعه خان قائلاً
لهما إنه يحتاج اليهما اليوم في هذا العرس الوحدوي ليألفوا ويلحنوا
للوحدة.. وماست به الفرحة الى حد أن طلب من الفنان محمد جمعه خان ان يشدو
بالوحدة من تحت ارماس قبره -طيب الله ثراهم جميعا- فيقول:اليوم أنا محتاج لأمثالك ومثل الباكثير
في عهد وحدتنا التي قد وحَّدت كل اليمن
يألفوا ويلحنوا الحان للوحدة كثير
ويذكروا أمجاد حمير أوسبأ أو ذويزن
يابو علي هات غنّ للوحدة ففيها كل خير
واهتف لها واشدو ولو من تحت طيات الكفن
ويقدّم الشاعر الفارس الشجاع روحه ودمه فداء للوحدة ويقول:يا وحدتي ياعزتي ويا مكسب رفيع الثمن
شفديك بالروح وكل ما جرى في عروق البدن
ويواجه مؤامرات الانفصال ضد الوحدة وينعتهم بالطاعون بقوله:بالله وبالوحدة وبالقائد وبالقانون
بانطرد أهل الضر وبانقضي على الطاعون
ذي بطى فينا وفي أجسامنا ينخرْ
ها قد توحدنا وأصبح نصرنا مضمون
ولعاد بانسمع كلام الناس لي يهْدون
ذي هم بغوا البنيان لي نبنيه يتكسر
ويحمل على جمعهم بنصل شعر أمضى من الحسام اليماني إذ يقول:مجنون منْ قال إنا بانفترق مجنون
ويش بايفك الربط ذي يربطه رب الكون
نحن خُوَهْ من قبل نجم السنبله يظهر
السياسة في حياته:الشاعر الراحل حسين أبو
بكر المحضار خير من وفّق بين سياسة الحكام وشعوبها وتوافق مع سياسة الحاكم
وشعبه. حافظ المحضار طوال مشوار حياته على التوافق والانسجام بين الشعب
والدولة حتى وإن كان وصل ذلك الانسجام شعرة معاوية السياسية التي ظلّ
المحضار ممسكا بها و محافظا عليها. لم يكن المحضار ذكيّا فقط لكنه كان
داهية من دهاة العرب المتأخرين. حتى في عهد الحكم الاشتراكي الشمولي في
اليمن، شاهدنا كيف كان المحضار مقربا من الحكّام كما كان قريبا جدا من
شعبه الذي أحبّه، وهذه صفة نادرة أن يجمع الرجل بين حبّ الراعي والرعيّة
في عهد ساده النفاق وغلبت عليه المصالح. لقد حقّق المحضار من حبّ الحاكم
له الوسيلة إلى مصلحة الشعب كما تحقّق له من حبّ شعبه الوسيلة إلى نصيحة
الحاكم وإرشاده. كان حبّه في قلب الحاكم والمحكوم والراعي والرعية على حدّ
سواء.. لم يتغيّر ذلك بتغيّر النظام بل أنه بعد الوحدة اليمنية أزداد
وتطوّر ولم تقف يوما دروب ومسالك قصور الحكام عائقا بينه وبين أبناء شعبه.
لم
يجرى على المحضار سجن البردوني ولا نفي الزبيري ولا هجرة يحي عمر ولا
محاولة اغتيال القمندان لأنّ من هؤلاء من صفق الحكّام بألسنة حداد.
ويثبت لنا مرّة ثانية شاعرنا الكبير كيف أنه نسيج وحده وكما أنّه كان معلما للشعر فانّه أيضا معلم للسياسة.
شهرته:
ليس
من العدل والإنصاف الجهر بالقول أو إخفاءه في أن المحضار هو أبرز وأفضل من
أنجبت حضرموت لليمن والجزيرة والخليج بل والوطن العربي كلّه، كلاّ، ففي
حضرموت من الشعراء البارزين المرموقين من هم أغزر وأقدر شعرا.. وحضرموت
تعدّ واحة من واحات الشعر لأمّتها اليمانية وأمّة العرب منذ أمير الشعراء
بلا منازع امرؤ القيس الكندي في العصر الجاهلي وحتى اليوم مرورا بعصور
الحضارة الإسلامية الزاهية المضيئة في التاريخ الإنساني… وقد كتب الشاعر
اليمني الحضرمي الشهير نجيب سعيد باوزير في المسار التاريخي للشعر في
حضرموت عن أبرز الذين عرفوا بالشعر في حضرموت خلال هذه القرون مع مراعاة
الأسبقية الزمنية ومنهم:
العلامة سالم بن فضل بافضل (توفي عام 581هـ)
وأشهر أعماله الشعرية (القصيدة الفكرية) كما كانت تسمى وهي تبلغ 183 بيتا
وتقوم على التأمل والتفكر في صنع الله وبديع خلقه في الإنسان ومظاهر الكون
المختلفة.
والفقيه العالم الشاعر الناثر محمد بن أبي الحب (توفي عام 611هـ) الذي كانت له صلة صداقة بالعلامة السلطان عبد الله بن راشد.
والعالم
المتصوف أبو بكر بن عبد الله العيدروس الملقب بالعدني الذي ولد بتريم
وتوفي ودفن بعدن عام 914هـ وهو صاحب المسجد المقام في مدينة عدن حتى اليوم
، وله أشعار خاصة في الأدب الصوفي طبع ديوانه طبقة قديمة في حيدر أباد.
والفقيه
العالم محمد عمر بحرق (توفي عام 930هـ) الذي كان بجانب معرفته بالفقه
وعلوم الدين أديبا شاعرا كاتبا خصب القريحة كثير الإنتاج.
والشاعر
الكبير الشيخ عمر عبد الله بامخرمة (توفي عام 952هـ) وله ديوان ضخم ومنثور
جيد على أسلوب الصوفية وكان يقول الشعر الفصيح والشعبي وفي شعره الشعبي
رقة وموسيقى عذبة جعلته مقبولا وكثير الترديد لدى الجماهير الحضرمية.
وشاعر حضرموت الكبير عبد الصمد بن عبد الله باكثير (توفي عام 1025هـ) وهو من ابرز شعراء الحضارم وأوسعهم شهرة وله ديوان شعر تناولت قصائده عدة موضوعات وكان سكرتيرا للسلطان عمر بن بدر أبي طويرق وشاعره.
والامام
عبدالله بن علوي الحداد (توفي عام 1132هـ) وهو العلامة الشاعر الناثر
الفقيه الصوفي الذي يقال انه بلغ رتبة الاجتهاد المطلق وله ديوان مطبوع
باسم (الدار المنظوم لذوي العقول والفهوم).
وأحمد بن عمر باذيب (توفي عام 1280هـ) وكان الى جانب دراساته الفقهية شاعرا مطبوعا جيد الشعر وله ديوان.
وقد
ظهر في القرن الماضي وعصرنا الحديث عدد من العلماء البارزين والأدباء
المشهورين أكثرهم من العلويين، وكان أبرزهم على الإطلاق من ناحية المقدرة
الشعرية السيد أبو بكر عبد الرحمن بن شهاب الذي ولد عام 1262هـ وتوفي عام
1341هـ وكان غزير الإنتاج متعدد أغراض الشعر وقد كتب باللغتين الفصحى
والعامية الشعبية ، وعامة الناس يعرفونه بقصيدته الرائعة التي لحنها
وغناها الفنان الكبير الراحل محمد جمعة خان: بشراك هذا منار الحي ترمقه…
العلامة والمؤرخ عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف الذي ولد عام 1299هـ بسيئون وتوفي عام 1375هـ.
الشاعر الكبير صالح بن علي الحامد الذي ولد بسيئون عام 1320هـ وتوفي عام 1386هـ وقد نشرت بعض قصائده
في مجلة أبولو التي كانت تصدر في مصر في أوائل الثلاثينيات من القرن
المنصرم ومعروف أن هذه المجلة كانت ترعى الاتجاه الجديد في الشعر الذي عرف
بالاتجاه الوجداني أو الرومانسي وكما غنى الفنان محمد جمعه لبني شهاب غنى
كذلك لصالح الحامد أغنيته المعروفة: قف معي نشهد جمالا… وقد صدر للشاعر
الحامد في حياته ديوانين هما (نسمات الربيع) عام 1937 و(ليالي المصيف) عام
1950.
الشاعر علي أحمد باكثير الذي عاش سنوات شبابه الباكر في حضرموت
ثم رحل الى مصر واستقر بها ، وبالرغم من أنه اشتهر ككاتب مسرحي إلا ان
لديه أيضا انتاجا غزيرا من الشعر صدر جزء يسير منه بعد وفاته تحت عنوان
(أزهار الربى في شعر الصبا) ويكفي لمعرفة مكانة باكثير في الشعر ان نشير
الى أنه كما يرى كثير من النقاد ، كان الرائد الأول لما عرف بشعر التفعيلة
وذلك من خلال مسرحيته (إخناتون ونفرتيتي) التي كتبها على نمط هذا الشعر
الذي يتخذ من التفعيلة وليس البيت وحدته الاساسية وقد توفي باكثير عام
1969م.
الشاعر حسين محمد البار الذي كانت له لقاءات فنية عديدة مع
الفنان محمد جمعة خان بحكم أنهما كانا يعيشان في مدينة واحدة هي المكلا
عاصمة محافظة حضرموت وكان بيتاهما متجاورين تقريبا، وكان لحسين البار دور
بارز في النشاط الصحفي في حضرموت حيث اصدر صحيفة (الرائد) الأسبوعية التي
لعبت الى جانب زميلتها صحيفة (الطليعة) التي كان يصدرها الأستاذ أحمد عوض
باوزير دورا مهما في نشر الوعي والتعبير عن القضايا والهموم المختلفة
للشعب كما أصدر الشاعر في حياته ديوان واحدا هو (من أغاني الوادي) وله
أعمال كثيرة لم تنشر بعد. هناك
أيضا من الأسماء البارزة في مجال الشعر من الأدباء والعلماء من أمثال
المؤرخ العلامة محمد أحمد الشاطري والباحث الأديب عبد القادر محمد الصبان
المؤرخ والشاعر الأديب محمد عبد القادر بامطرف الذي له ديوان ضخم لم ينشر
في الشعر الشعبي وسالم زين باحميد.
أضف إلى ما أورد من أسماء الشاعر
باوزير أسماء شعراء غنائيين مشهورين من أمثال: حداد بن حسن الكاف، احمد بن
شهاب، عبدالقادر الكاف، سعيد باحارثة، د. سالم عمر بكير، أحمد سالم البيض،
وآخرين لن نستطيع حصرهم ولو حرصنا.وبالرغم
عن هذه الأسماء الفذّة اللامعة الاّ أن شاعرنا الراحل السيّد حسين أبو بكر
المحضار قد حظي بشهرة شعبية واسعة من حضرموت الداخل إلى الساحل وفي عموم
أرجاء اليمن من جبالها إلى التهائم وذاع صيته في الجزيرة والخليج كما لم
يحظى بها شاعر قبله أو معه أو بعده.. وللتأكيد على عظم محبة الناس لقصائده وألحانه أن جيّرت له كلّ قصيدة جميلة ترددها أو لحن عذب ترجعه حتى وان لم تكن من قصائده
أو الحانه.. وقلّما تجد شاعرا نال مثل تلك الحظوة عند الجماهير الاّ فيما
ندر كالقمندان ويحي عمر وقلّة قليلة معهم. وكما أسلفنا ذكر شعراء وأدباء
لهم الباع الطويل في مجال الشعر والقدرة والغزارة والتمكين إلاّ أن شهرة
المحضار لدى الجماهير أوسع وأشمل ويحقّ القول الشهرة تغلب القدرة.